رواية أجنحة من ضوء النجوم | الفصل الخامس | مترجم
"لم تكن سابقتها واضحة في حديثها."
لا تزال كلمات ميلوري تتردد في ذهنها وهي عائدة إلى القصر.
ما الذي كان يظن أنه يجب أن تعرفه؟ والأهم، ما الذي يظن أن إلفينا أخفته عنها؟
مجرد التفكير في الأمر بدا خيانة. لكن إلفينا كانت هادئة بطريقة غريبة عندما اقتحم المستكشف اجتماع المجلس،. هل كانت نعلم بوجود الوحش مسبقًا إذن...؟
لا، لا، لا يمكن لكلاريون أن تسلك هذا الطريق.
تقديم المعلومات لإلفينا بدا مغريًا، نعم، لكن الانخراط في نوع من... مؤامرة؟
هذا خارج حدودها، ومع اقتراب موعد تتويجها، لا مجال للانشغال بكلمات غامضة من حارس غابة الشتاء.
من وجهة نظرها، هو على الأغلب يكذب. ومع ذلك، وجدت كلاريون صعوبة في تجاهل نظرة القلق والندم التي ارتسمت على وجهه.
فأبعدت ذكرى تعبيره المعذب عن ذهنها. سواء كان صادقًا أم لا، لا يمكنها أن تقابله مجددًا.
في الأفق، كان شجرة غبار الجنيات تشعّ في الليل كأنها فانوس مضيء.
لكنها لم تجرؤ على العودة للمنزل بعد أن حذرها ميلوري من أن هذا الكائن، أياً كان، يطارد في الظلام، ومع ذلك، كان وادي الربيع يغفو بسلام-لا فوضى، لا رعب، ولا وحوش.
ربما لن يكون من السيء زيارة بيترا-فهي في طريقها للمنزل على أية حال.
انحرفت جهة اليسار، والريح تقودها في مسارها الثابت.
كان ركن الصناع يستقر عند قاعدة شجرة ضخمة، تحيط به الأرض المكسوة بالأعشاب.
معظم الصناع بنوا منازلهم بين جذور الشجرة، وكل منزل يملك سقفاً من أوراق القيقب.
وكانت سلالم رقيقة من نبتت الفطر تنبت من اللحاء لتشق طريقًا إلى الأبواب.
لطالما أذهلتها براعة اصحاب موهبة الصناعة، فبدونهم، لما اكتمل الكثير.
أنجزوا الكثير في وادي الجنيات. لم يقتصر الأمر على صيانة البنية التحتية وبنائها، بل ابتكروا أيضًا شتى الأدوات التي تسهّل حياتهم اليومية.
وفي وسط الساحة، تناثرت أعمالهم اليدوية وبدايات تجهيزات الخريف :
-أكواب من الجوز مملوءة بأصباغ مستخرجة من الأوراق، مرتبة بعناية بتدرّج من اللون القرمزي حتى الذهبي.
-طاولات عمل تعلوها قبب فطرية و تتوزع عليها أدوات متنوعة
- عربات نصف مكتملة مصنوعة من قشور الأفوكادو المجوفة.
-وعلى بعد خطوات، عجلاتٍ من قشر الكستناء تنتظر أن تُركّب.
بدا المكان وكأنه قد تُرك على عجل، لكن الشموع والمصابيح كانت تضيء بهدوء على النوافذ، وظهرت خلفها أشكالٌ غامضة لأجساد تتحرك في الداخل.
شقت كلاريون طريقها إلى منزل بيترا، الواقع في زاويةٍ نائية من القرية.
بخلاف معظم البيوت الأخرى، كان بيتها تحفة هندسية ، مغلفة بملاط من الطين وغبار الجنيات، وسقفها مغطّى بطبقة كثيفة من الطحالب.
ووفقًا لاعترافها، كانت بيترا تفضل مظهرًا أقل "نباتية"، لكن فطرًا واحدًا نبت من السقف، وكأنه تعمّد إغاظتها.
وقفت كلاريون على الشرفة الصغيرة أمام الباب الذي بدا ضخمًا مقارنة بها، قطعة خشب من شجرة قامت بيترا بصقلها وتلميعها حتى تألقت.
طرقت الباب، وفورًا، صدر صراخٌ من الداخل.
تنهدت كلاريون وقالت، "إنها أنا."
ازاحت بترا الستار من النافدة : "كلاريون؟".
فُتح الباب ببطء، وظهرت خلفه بيترا ، ممسكة بمطرقة في يد ، وغطاء جوز في الأخرى-كدرعٌ مرتجل.
بترا : "أخفتِني!"
ابتسمت كلاريون قائلة، " غير معتادة على الزوار؟ أم ظننتِ أن الوحش سيطرق الباب بهذه اللطافة؟"
وفور نطق كلمة "وحش"، شهقت بيترا.
قالت : "ماذا تفعلين هنا؟ الجو في الخارج خطير جدًا..."
وقبل أن ترد، أمسكت بيترا بذراعها وسحبتها إلى الداخل وسط دوامةٍ من شعرها الأحمر وغبار الجنيات المتناثر.
كان المنزل مظلمًا تمامًا بشكل مزعج.
رمشت كلاريون محاوِلة التأقلم مع الظلام. "ربما نضيء قليلاً...؟"
اشتكت بيترا : "مستحيل. أجنحتك مضيئة بما يكفي،"
تابعت : "ستجذبينه إلى هنا، إن لم تكوني قد فعلتِ بالفعل."
سخرت كلاريون، "هذا أمر سخيف."
نظرت بيترا إليها نظرة ذات معنى، وقالت: "هل نسيتِ حادثة الخفافيش؟ أنا لم أنسها."
كان ذلك ضربة قاسية. ففي أحد الخريفات قبل سنوات، تسللت الاثنتان تحت ضوء الشفق لشرب عصير التفاح الساخن تحت النجوم.
تطلب الأمر أيامًا لإقناع بيترا أنها ستكون ليلة تستحق المغامرة.
لكن ما لم تحسب حسابه هو أن وهج كلاريون أفسد مسارات طيران الخفافيش في طريقهما.
حتى الآن، لا تزال تتذكر أجنحة سوداء تمرّ بسرعة، وضحكتها تتداخل مع صرخة بيترا المرعوبة.
قالت كلاريون، "الكشافة قالوا إن المخلوق يشبه الثعلب. هذه المرة، ستكونين آمنة."
لم ترد بيترا، بل سحبت الستائر بعناية.
أنارت أجنحة كلاريون ظلمة الغرفة، ورسم وهجها حدود أغراض بيترا، وتناثر غبار الجنيات على من جناحيها الى الأرض، يتلألأ وكأنه شظايا من ضوء النجوم.
ومن بين الظلال الخافتة، لمحت طاولة العمل وقد انقلبت على الأرض، ما يدل على أن بيترا كانت منغمسة في مشروعٍ ما.
حتى إن كلاريون شعرت بالدهشة - وربما بالخيبة - حين أدركت أنها لم تعد تعرف ما الذي يشغل صديقتها هذه المرة.
فقد كانتا منشغلتين جدًا مؤخرًا.
وبعد أن اطمأنت بيترا إلى إجراءات الأمان التي اتخذتها، جلست على الأرض ونظرت إلى كلاريون بعينين نصف ناعستين، قالت : "ما الذي يجعلك هنا في هذا الوقت المتأخر؟"
"جئت لأطمئن عليك."
تنهدت بيترا وهي تجمع شعرها في عقدة فوضوية أعلى رأسها. :"آه... الأمر كالمعتاد. العمل كان..."
قاطعتها كلاريون : "جئت لأتأكد من أنك بخير، قلقت عليكِ، وأنت تختبئين هنا وحدك."
رمقتها بيترا بنظرة فيها شيء من الارتياب : "آه! نعم، بقدر ما أستطيع أن أكون بخير. لا أمانع أن أجد مبررًا للبقاء هنا. ، هل هذا حقًا سبب زيارتك؟ كأنك تخفين شيئًا ؟."
"سر؟" ضحكت كلاريون بتوتر. هل فعلاً لديها سر؟
الذهاب إلى الحدود لم يكن ممنوعًا تمامًا، لكن إن عرف أحد أنها قابلت حارس غابة الشتاء... في الحقيقة، لم تكن تعرف ما قد يحدث.
من الأفضل ألا تذكر ذلك. جزئيًا لأنها لن تقابله مرة أخرى، ولكن في الغالب لأن مجرد ذكر جني الشتاء بالقرب من مواسم الدفء كفيل بأن يهزّ توازن بيترا الهش.
فهي بالفعل تبدو وكأنها على وشك الانهيار. ثم إن بيترا سيئة جدًا في حفظ الأسرار.
قالت، "لا، بالطبع لا. ما الذي جعلكِ تظنين ذلك؟"
"آه، لا..." أسندت بيترا جبينها إلى ركبتيها، وعندما تحدثت مرة أخرى، جاء صوتها مكتومًا، "إذاً، الأمر سيئ فعلاً، أليس كذلك؟"
هبط قلب كلاريون. هل كانت مكشوفة إلى هذا الحد؟
ومع ذلك، انكمشت بيترا أكثر على الأرض.
رفعت ذقنها ونظرت إلى كلاريون بعينين تملؤهما اليأس. "إلفينا ستطردني أليس كذلك ؟."
"ماذا؟" رمشت كلاريون بتوتر، بين ارتياح وحيرة. "أمممم..."
بيترا : "أسوأ؟ هل جئتِ لتخبريْني أننا لن نقضي الليلة سويًا؟"
كلاريون : "لا، الأمر ليس كذلك..."
تابعت كلاريون، ممسكة بكتفي، بيترا ، أنتِ تبالغين في تصور الأمور."
تراجعت بيترا، ثم أجبرت نفسها على الوقوف. : "صحيح... معكِ حق ، حسنًا، إذًا ما الأمر؟ ملكة وادي الجنيات تظهر على عتبة بابي..."
صححتها كلاريون : "ملكة تحت التدريب" .
بيترا : "بدون سابق إنذار؟ وبدون مهمة رسمية؟"
كم بدا مغريًا أن تبوح لها بكل ما حدث. تنهدت كلاريون وجلست على طرف طاولة بيترا، في الفراغ الصغير المتاح. ارتطم شيء خلفها، فزحزحته بعيدًا. وحين لم تصرخ بيترا تطلب منها الحذر، افترضت أنه ليس شيئًا مهمًا.
بينما كانت تحدق في وجه صديقتها المرهق والمغطى بالسخام، شعرت كلاريون بألم عميق يتفتح في صدرها.
في مثل هذه اللحظات، كانت تدرك بحق حكمة فلسفة إلفينا: أن على الملكة أن تتحمل تبعات قراراتها بمفردها.
فالحفاظ على مسافة من الآخرين يجعل من السهل مقاومة إغراء الاعتماد عليهم. لذا...قالت :
"أعدك، ليس لي أي نوايا خفية، ولا أسرار، ولا أخبار سيئة."
لم تبدُ بيترا مقتنعة. تناولت إحدى أدواتها بلا انتباه، وقلبتها بين أصابعها وهي تحدّق بها. : "لا داعي لأن تكوني غامضة، كلاريون. ليس معي."
أشارت كلاريون إلى بقايا كوخ بيترا وابتسمت قائلة. "أعلم... اشتقت إليكِ. لماذا لا تخبريني عمّا يجري هنا؟"
أضاءت عينا بيترا، وتلاشى القلق والارتباك منها كأنه لم يكون.
قالت : " اه لم أخبرك بعد؟"
راحت تبحث بين أغراضها حتى أخرجت صفيحتين مسطحتين من المعدن.
: "هذا قد يغيّر كل شيء. أعمل على تقنية لحام جديدة باستخدام الرمال و..."
تركت كلاريون موجة حماس بيترا تجرفها. رغم أنها بالكاد فهمت ما كانت تقول، فإن رؤيتها منغمستاً في الحديث أدفأ قلب كلاريون . ومع ذلك، انبعث في أعماقها حزنٌ خافت.
-------------------
وحين عادت إلى القصر، ارتطمت أبواب الشرفة خلفها بصوتٍ عالٍ أكثر مما ينبغي.
حبست أنفاسها، تتحسّب لما قد يحدث.
لكن بعد لحظات، لم يحدث شيء. لا إنذارات، ولا كشافة يقتحمون الباب.
شعرت ببعض الارتياح. بطريقة ما، نجحت في تنفيذ مهمتها الاستطلاعية دون أن يلاحظها أحد. وكانت تكاد تشعر بالدوار من ذلك.
ارتدت ثوب النوم وجلست عند طاولة الزينة لتفك ضفيرتها.
وبينما كانت تخرج بتلات الزهور والدبابيس من شعرها، تخيّل جزء منها أنه لا يزال يشمّ رائحة الثلج . بدا وكأن الشتاء قد تبعها حتى هنا.
وبينما كانت تلتقط مشطها، سُمعت ثلاث طرقات حادّة على الباب.
ارتجفت كلاريون قليلاً. لم تكن هناك حاجة للكلمات كي تُدرك أن هذه الطرقات لا تحمل إلا حضورًا سلطويًا. حضور إلفينا.
قالت بصوت ثابت قدر الإمكان، "ادخلي."
وعندما استدارت، رأتها واقفةً في إطار الباب.
رغم أن الساعة متأخرة، لم تخلع إلفينا شاراتها.
لم يكن من السهل قراءة تعابير وجهها، لكن كلاريون خمنت وجود شيء من الارتياح في عينيها.
إلفينا : "أنتِ هنا."
ابتسمت كلاريون لها بمرح، : "وأين قد أكون غير ذلك؟" آملةً أن يلهيها ذلك عن التوتر في صوتها .
ثم عادت إلى المرآة. رفعت المشط وبدأت بتنعيم موجات شعرها.
من خلال انعكاس المرآة، لاحظت أن ملامح إلفينا قد ازدادت قتامة.
قالت : "كنتِ مفقودة عندما تفقدتُكِ قبل قليل."
لم تكن لدى كلاريون إجابة. لو أنها فقط فكّرت في كذبة ذكية أو عذر مقبول... لكنها لم تكن تظن أن الوقت مناسب لتلفيق شيء.
قالت : "أنا آسفة."
حتى هي، رأت كم بدا صوتها ضعيفًا. تنهدت إلفينا بعمق.
"ظننت أنك تجاوزتِ هذا الطبع الاندفاعي. على الأقل، كنت أظن أنكِ أصبحتِ أكثر حكمة من أن تقتربي من خطرٍ واضح كهذا. ربما عليّ أن أعيد تعيين حارستك."
احتجّت كلاريون وقد ارتفعت موجة من الذعر داخلها : "لم يكن خطأها!"
كيف يمكن لها أن تكون بهذا الإهمال؟
لم تفكر في أثر ذلك على أرتيميس، الذي كانت مهمتها التأكد من بقائها في مأمن.
كلاريون : "انه خطائي."
اختفى أيّ دفء من وجه إلفينا. : "لقد عصيتِ أوامري المباشرة."
وقفت كلاريون : "وأنا أعتذر عن ذلك."
كان شعرها منسدل وثوب نومها ينساب فضفاضًا من حولها، مما جعلها تشعر تمامًا بأنها غير قادرة على مجابهة إلفينا.
لكن ربما، الآن وقد نالت كامل انتباهها، تستطيع أن تبوح بما يجول في صدرها.
"لكنني لا أستطيع أن أكتفي بالمشاهدة بينما يعرّض شعبنا أنفسهم للخطر. ملكة وادي الجنيات يجب أن..."
إلفينا : "كنت خائفة!"
رنّ صوت إلفينا في الفراغ، ليمسح كلّ فكرة متماسكة من عقل كلاريون.
كان تنفّسها مضطربًا، وفهمت كلاريون أخيرًا إن إلفينا لم تكن غاضبة منها فقط.لقد كانت خائفة عليها ايضا.
قالت إلفينا : "الكشافة لم يستطيعوا تعقّب المخلوق"
تابعت : . "لم يترك أثرًا، وكأنّه اختفى تمامًا. وعندما عدت للقصر ووجدت أرتيميس مذعوره وأنتِ مفقودة، ماذا كان يفترض بي أن أظن؟ لو أنني فقدتكِ..."
صحيح ان هناك تتويج، ولكن إلفينا حرة في الحكم لألف سنة أخرى، أو حتى يسقط نجمٌ آخر يحمل وريثًا أكثر ملاءمة.
لم تكن كلاريون تعرف أيهما أسوأ ، شعورها بالشفقة على ذاتها، أم رؤية إلفينا بهذه البؤس، ويديها ترتجفان.
سألت إلفينا بهدوء : "أين كنتِ؟" .
استحضرت كلاريون كلمات ميلوري، فدفعتها بعيدًا بسرعة.
"ذهبت لرؤية بيترا. أنتِ تعرفين كيف تكون حالتها."
لم تكن كذبة، على الأقل ليس بالكامل.
استسلمت إلفينا : "نعم." بدا أن الجواب أرضاها
وبعد لحظة، استعادت رباطة جأشها. وقالت : "أنت طيبة مع تلك الصانعة. لكن لا تعصي أوامري مجددًا. وادي الجنيات لا يستطيع المخاطرة بوريتثه وهي تتجول كما يحلو لها وتتعرّض للخطر بلا داعٍ. أنتِ ثمينة جدًا."
بالطبع... لم تكن الأوامر لتُناقَش، ولا لتُفهَم.
احتضنت كلاريون نفسها بذراعيها، "إلفينا؟"
أومأت إلفينا برأسها في اعترافٍ هادئ.
فكرت كلاريون إن أرادت الحصول على إجابة لسؤالها، فعليها أن تتحرك بحذر.
كلاريون : "قال الكشافة إن الوحش جاء من غابة الشتاء. هل سيكونون بخير هناك ؟"
عبست إلفينا، وقد بدا عليها المفاجأة من هذا الخط الجديد من الأسئلة.
قالت : "غابة الشتاء مكان خطر، قاحل، مليء بالوحوش. إنهم معتادون على ذلك."
مليء بالوحوش... لم تستطع كلاريون أن تمحو تعبير الحيرة من وجه ميلوري في ذاكرتها.
قالت كلاريون بصوت خافت، "اذا أنتِ تعرفين ؟."
تابعت وهي تحاول جاهدة أن تُبقي نبرة صوتها حيادية. : "هل كنتِ تعرفين ذلك قبل اليوم؟"
أجابت إلفينا بحذر : "بشكلٍ عام فقط ، ثمة سبب يمنعنا من محاولة التواصل مع الشتاء."
تجرأت كلاريون على النظر إلى عينيّ مرشدتها. وهي تقول : "لكن ملكة وادي الجنيات يجب أن تحمي رعاياها.أليس كذلك؟"
شعرت بشيء من التوتر والبرد يختلط بحماسة الإجابة. لم تكن تظن أنها ستكون قادرة على مجابهة إلفينا.
قالت إلفينا وهي تحدّق بها : "رعاياها، نعم،"
تابعت : " الشتويون استطاعوا تدبّر أمورهم لقرون، وقد عاشوا جنبًا إلى جنب مع هذه المخلوقات منذ أن وُلدو. ، بل وأطول بكثير، بلا شك. وهم يتبعون وصاية حارس غابة الشتاء، الذي له طريقته الخاصة في إدارة الأمور. وأؤكد لك أنه لن يُسرّ بتدخلنا."
لكن كلاريون لم تكن راضية عن هذا الرد. كيف لها أن ترضى، والحارس نفسه قد طلب منها المساعدة؟ إلفينا تطلب منها أن تقبل قراراتها وتفسيراتها دون سؤال.
بالأمس، ربما كانت ستستجيب لذلك. أما الآن...لم تعد قادرة على إنكار أن ميلوري ربما كان محقًا. إلفينا تخفي شيئًا عنها.
وحين لم تردّ، بدا وكأن إلفينا شعرت بالراحة. بدأ توتر جسدها بالتلاشي، ولانت نبرة صوتها.
قالت : "دعينا نضع هذا خلفنا. سنبقى متيقظين، لكن يبدو أن الخطر قد زال مؤقتًا. غدًا ستستمر الأمور كالمعتاد وسترافقين وزير الخريف ، سيكون من الجيد أن تري كيف يعمل هناك "
كلاريون " نعم، جلالتك."
أومأت إلفينا بقوة وخرجت من الغرفة.
وما إن أُغلقت الباب وراءها، حتى انهارت كلاريون على السرير.
في الظلام، رفرفت أضواء أجنحتها الذهبية.
ومن مكانها، استطاعت أن ترى اتساع السماء عبر نافذتها.
وهناك مع نثرات النجوم، ارتفع قمة الجبل الجليدي، مجمد ومهجور.
هذه المرة، لم تشعر وكأن الجبال تحدق بها، بل كأنها أصبحت جزءًا من الشتاء ذاته.
لو أغلقت عينيها، ستراه وكأنه واقف أمامها..... ميلوري، شعره يتوهج كلهيبٍ أبيض ، وعيناه تلمعان مثل غبار شجرة الجنيات.
"سأكون هنا، عند الغسق، كل ليلة لمدة أسبوع."
تعليقات
إرسال تعليق