رواية أجنحة من ضوء النجوم |الفصل الخامس والعشرون |

 بينما تلاشى ضوء النجوم، سحب ميلوري كلاريون من أعماق البحيرة. وما إن أوصلها إلى اليابسة حتى أُغلق الجليد خلفها، وكأنه جرحاً التأم أخيراً.

رأت كلاريون تحتها مياهاً مظلمة مضطربة، وكأن السجن لم يكن موجوداً أبداً.


لقد فعلتها !


عاد ميلوري ببطء ليستقر فوق سطح البحيرة الأملس، ورفع عينيه نحو السماء. 

كان البرد يتسرب عبر معطفها ، لكنها لم تهتم.

تجمد الزمن تحت الجليد، والليل ألقى رداءه على الشتاء، لكن السماء أضاءها الشفق القطبي، يرقص كأمواج ملونة. بدا بعيدًا، غامض السحر، يحيط بميلوري كهالة من خضرة وزرقة ناعمتين.

.


سألته بدهشة:

"كيف عرفت أنك ستجدني هنا؟"


ابتسم وقال بنبرة مازحة:

"لقد سرقتِ بومي. ومن غير الملكة يجرؤ على ذلك؟ لم يكن من الصعب معرفة المكان الذي أخذته إليه."


احمر وجه كلاريون وهي تهمس:

"للتوضيح… لقد سمح لي بأن أسرقه."


ضحك ميلوري، وكان يبدو سعيداً ببساطة حتى جعل كلاريون تضحك معه.

 أمسكت بذراعه وسحبته ليجلس إلى جانبها على الجليد، فاستجاب لها طائعاً. لوهلةٍ، تمددا جنباً إلى جنب كعاشقين يتأملان النجوم. ثم مدت كلاريون أصابعها على صدره وجلست تنظر إليه، كان شعره الأبيض ينساب حوله كغطاء ثلجي .


للحظات ، فكرة أن تبقى هنا، حيث لا وجود لشيء سوى هو وهي. مرّرت كلاريون أصابعها على طول خط فكه، ثم مالت نحوه، وشعرها يتساقط على كتفيها .


قالت بصوت خافت:

"لقد نلت ما تمنيت… ماذا ستفعل الآن؟"


جمع ميلوري خصلات شعرها بيده، وأبعدها عن وجهها ليلقيها خلف كتفها. وبرغم برودة بشرتها، شعرت بجسدها كله يسخن من لمسته. قال بهدوء:

"لا أعلم حقاً. لطالما بدا الأمر حلماً مستحيلاً. لم أسمح لنفسي أبداً أن أفكر بما سيحدث إن تحقق."


لحسن الحظ، كانت هي قد فكرت في ذلك خلال ساعات عزلتها الطويلة. همست:

"إذا أردت مني أن أحقق أمنيتك الثانية… فأنا أريدك في مجلسي. ليس كحارس لغابة الشتاء، بل كلورد الشتاء نفسه."


ارتبك ميلوري للحظة. نبرته كانت حذرة، لكن عينها امتلأتا بأمل متردد.

"لم يكن لدينا لورد للشتاء منذ زمن طويل."


فأجابت بصرامة:

"وهذا عار. لا أريد سماع اعتراض. لقد آن أن تستعيد لقب أجدادك. لدينا ثلاثة وزراء للفصول الأخرى، ولا أحد يمثل الشتاء. لا معنى لهذا الاستبعاد."


قال بتردد:

"وزراؤك الآخرون قد لا يرون الأمر مثلك."


لكنها ابتسمت بثقة وقد أدركت أنها كسبت النقاش:

"سيعودون إلى رشدهم. وإن لم يفعلوا… فسأعيدهم بنفسي حالما أصبح ملكة. لدينا جميعاً خبرات وموارد نتشاركها."


تنهد ثم قال:

"حسناً، أقبل عرضك."

حاول أن يبدو خاضعاً، لكن ابتسامة صغيرة ظهرت عند أطراف شفتيه. 

قالت كلاريون :

"وسيكون مرسومي الأول أن لا تقف عوالمنا في وجه بعضها مرة أخرى."


أومأ ميلوري قائلاً :

"أبداً."


ساد الصمت من جديد، ليخترق واقعهما الحالم. كانت هناك أمور كثيرة تنتظر، وعليه الآن، بعد أن أصبحت بأمان أمامه، أن يواجه الحقيقة. فتح يديه بتردد ليترك يديها.


توقف عن الكلام، لكن عينيه قالتا ما لم يقله. امتلأتا بفهم ثقيل وقاسٍ.

تمتم : "إنه مكسور"


التفتت كلاريون الى جناحه ، وسعادتها الصغيرة قد تبخرت.

 تتبعت خطوط جناحه الدقيقة حتى نهايته. للحظة، رفض عقلها أن يستوعب المشهد: النصف السفلي بدا وكأنه ذاب تماماً، ثم تجمّد من جديد في حواف حادة متكسّرة.


اندفع شعور ساحق إلى صدرها حتى قطع أنفاسها. شعرت بالذنب والعار كقيود تكبّل معصميها وتجرها إلى اليأس. همست:

"ميلوري… أنا آسفة."


لكن صوته جاء حازماً:

"كلاريون، لا أندم على ما فعلت، ولا ألومك على ما جرى. ولو عاد بي الزمن، لفعلت الشيء نفسه مرة أخرى."


اُغرقت عيناها بالدموع، لكنها رمشت بقوة حتى لا تسقط. قالت بصوت مبحوح:

"كان عليك أن تتركني عند الحدود…"


"لا." التفت ميلوري إليها، واضعاً يديه بثبات على كتفيها.

 بريق الضعف الذي ظهر في عينيه حطمها من الداخل. فتحت نظرته، كادت تصدق أنها شيء ثمين لا يمكن تعويضه.

 قال بهدوء:

"لم أستطع فعل ذلك أبداً. نعم، سيكون الأمر صعباً في البداية… لكن في الشتاء، مثل هذه الندوب علامة شرف. ولن يكون الأمر وكأنني لن أطير مجدداً… لدي نوكتوا."


كانت تعرف أنه على حق. بما فعله، سيُعترف به كبطل. ومع ذلك، كان يمكن تفادي كل هذا. 

تمتمت بصوت مرتجف:

"لم تشكّ لحظة… لماذا؟"


ابتسم ابتسامة حزينة وقال بصوت منخفض، رقيق ومليء بالمرارة:

"أظن أنك تعلمين السبب يا كلاريون."


وبالطبع كانت تعرف. إنه نفس السبب الذي جعل قلبها يتصدع الآن.


حين التقت عيناها بعينيه الرماديتين الجادتين، اجتاحها شعور ساحق ، بدا وكأنه كشف حقيقة لا مفر منها.


لقد أحبته.


ربما كانت مقدّرة لها أن تحبه منذ اللحظة التي رأته فيها واقفاً عند الحدود ، و كيف لا؟ ، لقد أحبت قوته، ولطفه، وشجاعته المتهورة النبيلة. أحبت دعابته الخفيفة، وإخلاصه الذي لا يتزعزع لشعبه. أحبته لأنه حررها هي أيضاً…


ومع ذلك، كسرت قلبه.


إن حدث له شيء، فلن تطيق العيش. وميلوري، المخلص حتى النهاية، سيعرّض نفسه للخطر مراراً وتكراراً من أجلها. الآن فقط، فهمت تماماً حكمة إلفينا: الحب يفتح باباً لألم عظيم، الحب يقسّم ولاءاتك وأولوياتك.


وبينما قد يبدو ذلك مقبولاً لمعظم سكان "مملكة الجنيات"، إلا أن لورد الشتاء… لا يمكنه أن يغامر بالحب.


همست كلاريون:

"نعم…"


رأت الدفء يختفي من عينيه وهو يحدق بها. قال بصوت خافت:

"أفهم… أنكِ لا تشعرين بالمثل، لكنني…"


قاطعته بسرعة، وصوتها يرتجف:

"ليس هذا السبب."

 لم تستطع أن تبكي الآن، لم تحتمل أن يظن أنها مترددة. لكن الألم في صدرها جعل التنفس صعباً، وكأن قلبها يتفتت حقاً. 

تابعت بصعوبة:

"الأمر أنك لا تستطيع… سيعيق قدرتك على القيادة."


"لا." بدا ميلوري كمن يسقط في فراغ، لا يجد شيئاً يتمسك به، وكأن كل ما يملكه يتبخر من بين يديه. "أنت لا تعلمين ذلك… ليس بيقين."


هزت رأسها:

"بل أعلم. سيعيق قدرتي أنا ايضاً على القيادة. لقد فعلتُها بالفعل. سأفكر فيك قبل أي قرار. سأخاطر بأي شيء، بكل شيء، لأجلك. أفهمت؟ أنا أحبك يا ميلوري… وهذا يخيفني كثيراً."


رد بصوت حزين:

"وأنا أحبك أيضاً."


كادت تنهار لسماع كلماته.

فكرت بمرارة : "حسناً ، ليكن هذا الألم تذكاراً لمدى ضرورة فراقنا "


حب مثل حبهم مدمر. جناح مكسور لا يساوي شيئاً أمام قلب مكسور. لم يكن أمامها إلا أن تأمل أن يخف الألم مع مرور الوقت.


حصّنت نفسها بالعزم والاستسلام. وعندما تكلمت مجدداً، خرج صوتها ثابتاً:

"سأتأكد أن العالم الذي نحلم به معاً سيصبح حقيقة… لكن لا أحد غيري يجب أن يضطر لأن يتحمل ما تحملناه. عبور الحدود خطرٌ شديد، ويجب منعه… ابتداءً من الآن."


لم يكن في ملامحه ذنب، لكن ما رأته هناك ، كان يؤلمها. عيناه، اللتان كانتا في العادة بصفاء ماءٍ مضاء بالقمر، بدتا لها الآن رماديتين كبحر "نيفر سي" العميق والجامح، قادرتين على سحبها إلى القاع.


قال بهدوء أكثر مما توقعت:

"إن كان هذا ما تريدينه حقاً… فسألتزم بقرار حكمك."


"هذا ما أريده." أجابته، بينما كان صوتها الداخلي يصرخ بالاعتراض. 


لكن ما إن انتهت كلماتها الثقيلة حتى أدركت خطأها في الظن بأنه سيجعل الأمر سهلاً عليها. لم تعرف من منهما تحرك أولاً.


فجأة، اصطدما ببعضهما، فكان فمه على فمها بشوق محموم خطف أنفاسها. قابلته بنفس اللهفة. 

 شعره أنزلق بين أصابعها كالماء، و يداه مرتا على ظهرها وطوقتا خصرها. جذبها إليه أكثر وأكثر، كأنه يريد محو كل مسافة بينهما. كأن قربهما لن يكون كافياً أبداً. كأنه يحاول أن يسكب شوقه العميق في لحظة لن تتكرر.


انفصلا لاهثين. و بالكاد أدركت كلاريون أن الدموع بللت وجهها. لم تعرف لمن كانت. فمسحها ميلوري بإبهامه.


قال بصوت منخفض:

"حسناً." ثم سحب يديه، تاركاً إياها بلا حول. "سنعيدكِ إلى الضفة الأخرى من الحدود."


أرجوك… فقط لحظة أطول. كادت تقولها، لكنها همست بدلاً من ذلك:

"حسناً."


صفر لنوكتوا. وخلال لحظات، حجبت أجنحتها نور القمر.

 صعدت كلاريون على ظهرها، رافضة أن تفكر أن هذه قد تكون آخر مرة تمتطي فيها بومة. لم تسمح لعقلها أن يتوقف عند كل الجنيات الشتويات اللواتي لن تراهن بعد الآن، وكل الأماكن الساحرة التي لن تزورها. لن تسمع وقع خطواته على الثلج من جديد. لن تشعر بلمسة الرياح الشمالية الباردة وهي تعبث بشعرها. لن تسير بجانب ذاك العصفور الجاد الذي أحبته. لم تُعلّمه حتى كيف يتزلج.


يا إلهي… لست قوية بما يكفي لفعل هذا.


سألها بصوت خافت بالكاد سمعته:

"هل سأراكِ مجدداً؟"


أجابت:

"لقد قررت أن يكون حفل تتويجي عند الحدود، حتى يتمكن كل شعبي من الحضور. فإذا جئت…"


ابتسم وقال:

"بالطبع. لن أفوّت ذلك."


للحظة، بقيا يحدقان في بعضهما. لكن كلاريون أشاحت بنظرها أولاً، فقط لتمنع دموعها من الانهمار مرة أخرى.


وعندما وصلا إلى الحدود، كان جمع من الجنيات بانتظارها على جانب الربيع. الكشافة يطيرون ذهاباً وإياباً فوق ضفة النهر، وهناك، من بعيد، كمنارة ذهبية تتلألأ وسط الظلام… وقفت إلفينا. وحتى من هذا الارتفاع، استطاعت كلاريون أن تلمح صرخات الدهشة على وجوههم.


كانت دهشتهم الممزوجة بالذعر تكاد ترسم ابتسامة على شفتيها. يا للحزن… لم يذق أحد منهم أبداً طعم صداقة بومة.


هبطت نوكتوا في صمت، وما إن نزلت كلاريون عن ظهرها حتى ارتجفت الجنيات الدافئة في خوفاً مكتوماً. 

شعرت كلاريون برغبة في أن تغوص قدماها في الثلج حتى الركبتين، أن تختبئ وحدها لتواجه ثِقل ما فعلته.


لكن شعبها كان يحتاجها.


شدّت كتفيها وسارت بخطوات ثابتة نحو الجسر. وعندما عبرت إلى جانب الربيع، لم تلتفت خلفها. لأنها إن فعلت، وإن أحست بتلك الرابطة الخفية التي تشدها إليه من جديد، قد تغير رأيها. لكنها كانت متأكدة أن هذا هو الصواب.


ربما يأتي يوم… وتصدق ذلك فعلاً.

                           

                           ----------


طوال الطريق إلى القصر، ظلت الجنيات ينظرن إليها بدهشة، وربما للمرة الأولى يتحدثن إليها من تلقاء أنفسهن. الكشافة الذين اصطحبوها هي وإلفينا نحو شجرة غبار الجنيات أغرقوها بالأسئلة التي لم تستطع، أو لم تجرؤ، على الإجابة عنها.


"كيف هو حارس غابة الشتاء؟"

"كيف هزمتموهم؟"

"هل سينكسر السحر؟"


انهالت عليها الأسئلة حتى بلغوا القصر، بل حتى تجمعوا عند باب غرفتها، عيونهم لامعة بالفضول.


لكن إلفينا قالت بصرامة تكاد تجمّد الحليب:

"دعوا ملكتكم تسترح. سيكون لديكم وقت كافٍ لأسئلتكم لاحقاً."


أجابوها جميعاً بعجلة: "نعم، جلالتك." ثم تفرقوا.


نظرت إليها كلاريون بعينين ممتنّتين، فأجابتها إلفينا بابتسامة عارفة وهي تفتح لها الباب وتدخلها.

 أُغلق الباب خلفهما بقوة، وما كان من كلاريون إلا أن زحفت مباشرة نحو السرير. خلعت معطفها الشتوي، تركته يتكوّم على الأرض عند قدميها، ثم ألقت بنفسها على الفراش، وجهها غارق في الوسادة. 

هبط ثقل إلفينا بجانبها، فارتخت أكثر تحت وطأته.


حتى دون أن تنظر إليها، عرفت كلاريون أنها تنتظر… تنتظر ما ستبوح به، أياً يكن. لكنها نفسها لم تكن تدري ما ستقول، حتى نطقت إلفينا:

"انتهى الأمر."


وهكذا كان: انتهت الكوابيس، وانتهى معها كل ما كان بينها وبين ميلوري. الآن، شعرت بنعمة الخدر، كأن قلبها توقف عن الإحساس.


حين لم تسمع رداً، أدارت وجهها قليلاً لتنظر إليها. لم يكن في عيني إلفينا شفقة، بل فهم عميق رهيب، عمره طويل. كان غريباً أن تشعر بالراحة، وبالجمال، لمجرد أن أحداً يعرفك دون أن تنطقي كلمة.


فكم من الأشياء التي لم تخبرها إلفينا بها عن أسرار عالمها. وكم من الأسرار التي لم تكشفها عن نفسها.

 تُرى، هل عانت مثل هذا الألم يوماً؟ من الصعب تخيّل إلفينا واقعة في حب، أو مرتكبة خطأ قاتلاً.


 لكن، نعم… لقد اعترفت أن حكمتها لم تأتها بسهولة.


الفجوة بينهما بدت طوال الأسابيع الماضية عصيّة ، لكن هذا الألم المشترك قرّبهما من بعضهما. ربما، بما تبقى لإلفينا من عمر، ستقودها للأمام.


وكان هذا بالذات ما كسر السدّ أخيراً.


انهمرت دموع كلاريون، حارّة لا تتوقف، واهتز جسدها مع شهقاتها. ولدهشتها، احتضنتها إلفينا، وسمحت لها أن تبكي في حضنها كطفلة صغيرة.


قالت إلفينا بهدوء:

"ارتكبتُ أخطاء كثيرة معك… وربما حتى مع نفسي. من المحزن حقاً ألا أراها إلا عند نهاية حياتي. لم تكوني هنا سوى لحظة خاطفة، ومع ذلك علمتِني الكثير."


همست كلاريون :

"لا ترحلي… أرجوكِ، أرجوكِ، لا ترحلي."


سمعت شهقة إلفينا الهادئة، ثم قالت:

"حتى أنا لا أستطيع تحدي القدر . لكنكِ ستبقين بخير من دوني يا كلاريون. أنا واثقة تماماً أن وادي الجنيات سيكون في أيدٍ أمينة معك."


انقبض صدر كلاريون بألم. لطالما تمنّت أن تسمع تلك الكلمات. يا لها من حلاوة، أن تجد أخيراً الطمأنينة التي طالما انتظرتها. لكنها لم تكن واثقة أنها تستحقها. نعم، أنقذت وادي الجنيات. نعم، أتقنت سحرها. لكن حياتها ستظل موسومة بأخطائها. كيف ستعلّم الصغيرات الطيران؟ وكيف تجرؤ أن تفتح جناحيها برفق وهي لن تنسى أبداً الأجنحة التي كسرتها؟


اخترق صوت إلفينا ضباب يأسها:

"من الجيد أن تكون لك صلة بالشتاء. توحيد الفصول بداية قوية لعهدك. وستضطرين أن تعتذري لحارس غابة الشتاء بالنيابة عني."


حارسها. لا… لم يعد من حقها أن تنعته بذلك.

قالت بصوت خافت:

"لا أعلم إن كنتُ سأستطيع رؤيته ثانية."


تجهم وجه إلفينا، لكن مهما رأت في عيني كلاريون، فقد بدا أنها فهمت.

"ارتاحي الآن، وأعنيها هذه المرة. ما زال هناك الكثير قبل تتويجك."


في هذه الحالة، لم يكن النوم سهلاً. لكن إلفينا مررت يدها على شعرها برفق، ولم تعترض حين التفّت كلاريون بذراعيها حول خصرها. رغم شعورها بالانكسار والبؤس، كان في حضنها عزاء عظيم.


وبصوت هامس بدأت إلفينا :

"كان يا ما كان…"


وراحت تروي لها أجمل الحكايات

 التي قصّتها عليها منذ قدومها أول مرة: عن الشجاعة، وعن الحب، وعن ملكات مضين منذ زمن بعيد.


أغمضت كلاريون عينيها على إيقاع صوتها العذب، وغفت… وحلمت بالثلج وضوء النجوم، وبعينين رماديتين صافيتين، مليئتين بغفران تعرف أنها لن تستحقه أبداً.

تعليقات